فصل: سنة تسع وتسعين وثلاثمئة:

مساءً 8 :2
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة خمس وتسعين وثلاثمئة:

فيها توفي العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس الرّازي اللغوي، صاحب المجمل، نزيل همذان. روى عن أبي الحسن القطّان وطائفة، ومات بالريّ.
والتاهرتي، أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي البزاز، العبد الصالح، سمع بالأندلس من قاسم بن، أصبخ، وطبقته. وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر.
والخفَّاف، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري، مسند خراسان، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، وهو آخر من حدَّث عن أبي العباس السَّراج.
والإخميمي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري. روى عن محمد بن ريان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علان، وطائفة.
وأبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، رواي كتاب القراءة خلف الإمام وكتاب رفع اليدين تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن إسحاق، وكان ثقة، يحفظ ويفهم، عاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وعبد الوارث بن سفيان، أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف بالحبيب، أكثر عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق الناس فيه، توفي لخمس بقين من ذي الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكثير.
وأبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني الجوّال، صاحب التصانيف، طوّف الدنيا، وجمع وكتب مالا ينحصر، وسمع من ألف وسبعمئة شيخ، وأول سماعه ببلده، في سنة ثمان عشرة وثلاثمئة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعاً وثلاثين سنة.
قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ ما رأيت مثله. وقال عبد الرحمن ابن منده: كتب أبي عن أبي سعيد الأعرابي، ألف جزء، وعن خيثمة ألف جزء. وع الأصمّ ألف جزء، وعن الهيثم الشاشي ألف جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة، سيّد أهل زمانه.

.سنة ست وتسعين وثلاثمئة:

فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللَّخمي الإشبيلي، الحافظ العلم، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة، وكان يحفظ عدة مصنّفات، وكان إماماً في الأصول والفروع.
وأبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي، وله سنة ست وثلاثمئة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعيّ.
وأبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية بجرجان، وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه. وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة، وهو يقرأ في صلاة المغرب {إياك نعبد وإياك نستعين} ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة.
وأبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق، ويعرف بأخي تبوك، ولد سنة ست وثلاثمئة وروى عن محمد بن حريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتَّاني: كان ثقة نبيلاً مأموناً، توفي في ربيع الأول.
وأبو الحسن الحلبي، علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي نزيل مصر، روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد ب إبراهيم بن نيروز، وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر، وعاش مائة سنة.
والبختري، صاحب الأربعين المرويّة، أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكّي الحافظ. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرَّزين في المذاكرة. توفي في شعبان، وله ثلاث وستون سنة.
أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل وابن المأمون العباسي، ثقة مشهور، يروي عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، وطائفة. وهو جدّ جد أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون.
وابن زنبور، أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق، ببغداد في صفر، روى عن البغوي، وابن صاعد وطبقتهما، وابن أبي داود. قال الخطيب: ضعيف جدَّاً.

.سنة سبع وتسعين وثلاثمئة:

فيها كان خروج أبي ركوة، وهو أمويَّ من ذرية هشام بن عبد الملك، كان يحمل الركوة في السفر، ويتزهّد، وقد لقي المشائخ، وكتب الحديث، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ويأخذ البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدّباً، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى على عقولهم وأسرّ إليهم أنه الإمام، ولقّب نفسه الثائر بأمر الله، وكان يخبرهم بالمغيّبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولّي تلك الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بم حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ من يهودي بها مئتي ألف دينار، وجمع له أهلها، مئتي ألف دينار، وضرب السِّكة باسمه، ولعن الحاكم، فجهّز الحاكم لحربه ستة عشر ألفاً، فظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل الجيش الذين ظفروا به.
وفيها أصاب ركب العراق عطشّ شديد، واعتقلهم ابن الجرّاح على ما طلبه، وضاق القوم، وخافوا فوات الحج، فردُّوا ودخلوا بغداد يوم عرفة.
وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلس المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي بطليوس، وأخو حامد الزاهد.
وأبو الحسن بن القصّار، علي بن عمر البغدادي، الفقيه المالكي صاحب كتاب مسائل الخلاف. قال أبو إسحاق الشيرازي: لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه من رأيت من المالكية. ومن طبقته: أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرّازي، الفقيه الشافعي. قال الخليل: هو أفضل من لقيناه بالريّ، كان مفتيها قريباً من ستين سنة، أكثر من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. وكان له في كل علم حظ، وعاش قريباً من مئة سنة.
وابن واصل، الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك سيراف والبصرة، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متولّيها مهذب الدولة، فسار لحربه فخر الملك، أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسّان الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.

.سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة:

فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجلٌ شيخ الشِّيعة ابن المعلّم، وهو الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره، فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة، أبي محمد بن الأكفاني، والشيخ أبي حامد بن الأسفراييني، فسبّوهما، وحميت الفتنة.
ثم إن السُّنّة أخذوا مصحفاً، قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل، فثارت الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين السنة، واختفى أوب حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلاً لمعاونة السنة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم وذلُّوا، وأمر عميد الجيوش، بإخراج ابن المعلِّم من بغداد، فأخرج. وحبس جماعة، ومنع القصّاص مدّة.
وفيها زلزلت الدِّينور، فهلك تحت الردم، أزيد من عشرة آلاف.
وزلزلت سيراف، السيب وغرق عدّة مراكب، ووقع بردٌ عظيم، وزن أكبر ما وجد منه، فكانت مئة وستة دراهم.
وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة قمامة بالقدس، لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلا فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما آمر، ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة مثل المكمدة، وزنها ستة أرطال، في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل، وبقي هذا سنوات، ثم رخّص لهم في الردَّة، لكونهم مكرهين، وقال: ننزّه مساجدنا عمن لا نيّة في الإسلام.
وفيها توفي البديع، أبو الفضل أحمد بن الحسن الهمذاني، الأديب العلامة، بديع الزمان، صاحب المقامات المشهورة، وصاحب الرسائل، وكان فصيحاً مفوّهاً، وشاعراً مفلقاً، توفي بهراة، في جمادى الآخرة.
وابن لآل، الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير انه كان مشهوراً بالفقه، له كتاب السنن ومعجم الصحابة. عاش تسعين سنة، والدعاء عند قبره مستجاب.
قلت: سمع الكثير، وأكثر الترحال، وروى عن محمد بن حمدويه المروزي، وأبي سعيد بن الأعرابي، وطبقتهما.
وأبو نصر الكلاباذي، الحافظ أحمد بن محمد بن الحسين- وكلاباذ محلّة ببخارى- صنّف رجال صحيح البخارى، وغير ذلك. وعاش خمساً وسبعين سنة. قال جعفر المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم.
قلت: روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد الله الحسن بن هارون البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة، وأملى الكثير عن المحاملي، وابن عقدة، وطبقتهما. قال الدَّارقطني: هو في غاية الفضل والدين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والترسُّل، موفق في أحواله كلها، رحمه الله.
والبافي، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الفقيه الشافعي، ببغداد في المحرم، تفقّه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من أصحاب الوجوه.
والببَّغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النَّصيبي، مدح سيف الدولة ابن حمدان والكبار، ولقّبوه الببغاء، لفصاحته، وقيل للثغة في لسانه.
وأبو القاسم بن الصيدني، عبد الله بن أحمد بن علي، روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات في أصحابه، وروى عن جماعة، توفي في رجب، ببغداد.

.سنة تسع وتسعين وثلاثمئة:

فيها رجع الركب العراقي، خوفاً من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد، وأما ركب البصرة، فأخذه بنو زغب الهلاليون، قال ابن الجوزي في منتظمه: يأخذون للركب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة، روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزيّ، وخيثمة الأطرابلسي، وطائفة، وصحب محمد بن داود الرّقي، روى عنه خلق كثير من الحجاج.
وأبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الأعمى الحافظ، روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم واستملى عليه، وسمع بنيسابور، من أبي حامد بن بلال وطائفة. وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى.
والنامي، الشاعر البليغ، أبو العباس أحمد بن محمد، كان تلو المتنبي في الرتبة عند سيف الدولة، وكان مقدّماً في اللغة، وله مع المتنبي معارضات ووقائع، وطال عمره، وصار شيخ الأدب بالشام، روى عن علي ابن سليمان الأخفش، والصُّولي، وعاش تسعين سنة.
وأبو الرقعمق الشاعر، صاحب المجون والنوادر، أبو حامد أحمد بن محمد النطاكي، دخل مصر، ومدح المعزّ وأولاده، والوزير ابن كلِّس.
وخلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث البخاري، صاحب بخارى ةابن صاحبها، كان عالماً جليلاً، مفضلاً على العلماء وطبقته. ومات شهيداً في الحبس ببلاد الهند.
وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي، ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف التذكرة، رحل إلى البصرة، وقرأ بها على صاحب أبي العباس الأشناني. وبمصر على أبيه، وأبي عدي عبد العزيز، وغيره واحد.
وأبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر، في ذي القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وروى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة والشام والقيروان، وكان سماعه صحيحاً من البغوي في جزء واحد، وما عداه مفسود.
وابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المرِّي الأندلس الألبيري، نزيل قرطبة، وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد، سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية القرشي، وطائفة، وكان راسخاً في العلم مفنناً في الآداب، مقتفياً لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمساً وسبعين سنة، وتوفي في ربيع الآخر. ومن كتبه اختصار المدونة ليس لأحد مثله.

.سنة أربعمئة:

فيها أقبل الحاكم- قاتله الله- على التألُّه والدين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل الكثير من الخير.
وفيها توفي ابن خرشيذ قوله، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله ابن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة، دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله.
وأبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلف أطراف الصحيحين روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر المقرئ وطبقتهما، وكان عارفاً بهذا الشأن، ومات كهلاً، فلم ينتشر حديثه، توفي في رجب.
وأبو نعيم الإسفراييني، عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح، عن خال أبيه، أبي عوانة الحافظ، وكان صالحاً ثقة، ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمئة، واعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمّر، وازدحم عليه الطلبة، وأحضروه إلى نيسابور.

.سنة إحدى وأربعمئة:

فيها أقام صاحب الموصل، الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنيّة، لأن ر سل الحاكم، تكرّرت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلَّد فأفسدوه، ثم سار قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب الأنبار بذلك، فهرب وأبدى قرواش بن مقلَّد صفحة الخلاف، وعاش وأفسد، فقلق القادر بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة، مع ابن الباقلاني المتكلم، فقال: قد كاتبنا أبا علي إلى عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار، وإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن مقلَّد، خاف الغلبة، فأرسل يعتذر، وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ّ ركب العراق، لفساد الوقت.
وفيها توفي عميد الجيوش، أبو علي الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى وخمسون سنة، كان أبوه من حجّاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة، وترقرقت حاله، فولاه بهاء الدولة نائباً عنه بالعراق، فأحسن سياستها، وحمدت أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطار، وقد جاء في عدله وهيبته حكايات.
وأبو عمر بن المكوى، أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه، مع الورع والصيانة، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنّف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة.
وأبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي. روى عن قاسم بن أصبغ وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر شيخ لابن حزم.
وأبو عبيد الهروي، أحمد بن محمد المؤدب، صاحب الغريبين، أخذ عن الأزهري وغيره، توفي في رجب.
وأبو بكر الحنّائي، عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب، نزيل دمشق، روى عن يعقوب الجصّاص وجماعةو، وكان ثقة.
وعبد العزيز بن محمد بن النُّعمان بن محمد بن منصور، قاضي القضاة للعبيدين، وابن قاضيهم، وحفيد قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القّواد حسين، ابن القائد جوهر، وبعث من حمل إليه برأس قاضي طرابلس، أبي الحسين علي بن عبد الواحد البرّي، لكونه سلم عزاز. إلى متولّي حلب.
وأبو الفتح البستي، علي بن محمد الكاتب، شاعر وقته وأديب ناحيته.
وأبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود، شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي، صاحب علي بن حجر، وطبقتهما. وكان سيّداً نبيلاً صالحاً. قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث، وكان يعدّ في مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله.
وأبو علي الخالدي الذهلي، منور بن عبد الله الهروي. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة، قال أبو سعد الإدريسي: كذَّاب روى عنه أبو قادم الغنودي وعبد الرحمن بن عبيد وكان ابن ميمون والحديث والصحيح أنه مات سراً.

.سنة اثنتين وأربعمئة:

فيها أذن فخر الملك أبو غالب، الذي وليّ العراق بعد عميد الجيوش، بعمل المأتم يوم عاشوراء.
وفيها كتب محضر ببغداد، في قدح النسب الذي تدّعيه خلفاء مصر، والقدح في عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرَّمي إخوان الكافرين، شهادة يتقرَّب بها إلى الله، شهدوا جميعاً أن الناجم بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار. إلى أن قال: فانه لما صار- يعني المهدي- إلى المغرب، وتسمى بعبيد الله، وتلقّب بالمهدي، وهو مع من تقدّمه من سلفه الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد عليّ رضي الله عنه، ولا يعلمون أن أحداً من الطالبيين، توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعاً بالحرمين، وأن هذا الناجم بمصر وسلفه، كفّار وفسّاق، لمذهب الثَّنويّة والمجوسية معتقدون، قد عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء وسبُّوا الأنبياء، ولعنوا السَّلف، وادّعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمئة، وكتب خلقٌ في المحضر، منهم: الشريف المرتضي، وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين القدوري، وخلق.
وفيها عمل يوم الغدير، ويوم الغار، لكن بسكينة.
وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر الأندلس، والد العلامة أبي محمد، كان كاتباً منشئاً لغوياً، وتبحر في علم البيان.
وأبو الحسين السوسنجردي، أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي، المعدَّل. روى عن ابن البختري وجماعة، وكان ثقةً، صاحب سنة.
وقاضي الجماعة، أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله أربع وخمسون سنة، سمع من أحمد ب عون الله وطبقته. وكان من جهابذة المحدثين وحفاظهم، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسميّة، ولي القضاء والخطابة، سنة أربع وتسعين وثلاثمئة، وعزل بعد تسعة أشهر، وله كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتي جزء وخمسين جزءاً، وقد ولي الوزارة أيضاً.
وعثمان الباقلاني، أبو عمرو البغدادي الزاهد، وكان عابداً أهل بغداد في زمانه، رحمه الله.
وأبو الحسن السامرِّي الرفّاء علي بن أحمد صالح، ثقة. روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي.
وأبو الحسن الدَّاراني، علي بن دادو القطّان المقرئ، حدّث عن خيثمة، وقرأ علي ابن النضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق. قال رشا بن نظيف: لم ألق مثله حذقاً وإتقاناً في رواية ابن عامر، وهو الذي طلع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة الجامع، فوثب أهل داريا بالسلاح ومانعوهم، وقالوا لا ندع لكم إمامنا، حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر، فقالوا: أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدّمت له بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة الشرقية، وكان لا يأخذ على الصلاة ولا اٌراء أجراً، ويقتات من أرضٍ له رحمه الله تعالى.
وأبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير، أحد أعلام القرآن، أقرأ بمصر عن عبد الباقي ابن السقا، والسامري وجماعة، وصنّف المنشأ في القراءات وعاش ثمانياً وستين سنة.
وابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغسّاني الصيداوي، صاحب المعجم المرويّ. رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس. روى عن أبي روق الهزَّاني والمحاملي وطبقتهما، ومات في رجب، وله سبع وتسعون سنة، وسرد الصوم، وله ثماني عشرة سنة، إلى أن مات. وثّقه الخطيب.
وابن النجّار، أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي النحوي المقرئ، آخر من حدَّث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني، وابن دريد قال العتيقي هو ثقة، توفي بالكوفة في جمادى الأولى. وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمئة في المحرم.
وابن اللّبان الفرضي، العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري، روى سنن أبي داود عن ابن داسة، وسمعها منه القاضي أبو الطيّب الطبري. قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض. وصنّف فيها كتباً، ومات في ربيع الأول.
وأبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي، المعروف بالهرواني، أحد الأئمة الأعلام في مذهب أبي حنيفة، روى عن محمد بن القاسم المحاربي وجماعة. قال الخطيب: قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه، إلى وقته، أحد أفقه منه. وقال لي العتيقي: ما رأيت مثله بالكوفة.
قلت: ولد سنة خمس وثلاثمئة، وقد قرأ عليه غلام الهراس.
وأبو علي منتجب الدولة، لولو السمراوي، ولي نيابة دمشق للحاكم، وعزل بعد ستة أشهر، ولما همّوا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلاً بها، عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة، ثم طلع لولو من سطح واختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به، فله ألف دينار، فدلّ عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل.
وابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز، شيخ ابن حزم، روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلاً صالحاً.